حبة الطماطم التي قصمت ظهر الحمار

 يُحكى أن رجلا ابتاع حمارا، من ورثة شخص كان يستخدمه لبيع بضاعته من الطماطم قبل وفاته، فقرر أن يستخدمه لنفس الغرض وهو بيع الطماطم، فكان كلما مر بحي من الأحياء، يبدأ الحمار بالنهيق وكأنه يشير على صاحبه الجديد بالتوقف، لأنه كان يعرف الدُّور التي يشتري أصحابها الطماطم، لكن البائع كان يمتعض من صوت الحمار، لأنه كان يشوش على صوته وهو يعرض جودة سلعته.


قد تبدو هذه القصة منذ الوهلة الأولى خيالية، ليس لأننا اعتدنا أن يمارس الحمير في زماننا دورا أكبر أهمية من مجرد بيع بضع حبات من الطماطم في الطرقات والأزقة، وليس لأننا اعتدنا أن يبيع بعضهم أشياء أخرى غير الطماطم، بل لأن القضية تستلزم أن يجمع راوي القصة بين الإنسانية و”تَحِيمَارِيتْ” حتى يفهم ما كان يقوله البائع، وفي نفس الوقت ما كان يدور في رأس الحمار فيعبر عنه بنهيقه، ما دامت معجزة سيدنا سليمان عليه السلام قد انتهت منذ زمن بعيد؛ أي أن الراوي كائن أكثر خرافية من حمار يبيع الطماطم، وهذا سبب كاف للتشكيك في القصة.


وقد يذهب خيال البعض بعيدا، فيُسقط هذه القصة على بعض السياسيين الذين يبيعون الوهم للناس، لكن هذا القياس باطل من أساسه، إذ لا مجال للمقارنة بين “الوهم” و”الطماطم”، باعتبارهما نقيضان، بل وقد يصير هناك تطاحن جدلي بين هذين المفهومين في بعض البلدان التي يعاقَب فيها الساسةُ باعةُ الوهم بالرمي بالطماطم. أما إن كان لا بد من شيئين مترادفين لا فرق بينهما فهُما: “من يبيع الوهم” و “من يشتري ذلك الوهم”؛ وينال شرف وقرف الاشتراك معهما في الوهم من يريد أن يلعب دور “الدونكي-شوت”، فيرى كل طاحونة هوائية وحشا، أو تنينا ينفث ناره مع كل دورة لأذرعها، بينما الوحش الحقيقي يقبع في داخله، ويقضم جسده، الذي يتحول إلى منساة مهترئة، شيئا فشيئا، مع كل دورة لعقارب الساعة.


لكن الشخص الذي سبق له أن جرّب الحمى، ليس الانتخابية، بل الحمى التي تزيد فيها حرارة الإنسان عن سبع وثلاثين درجة، يعرف أن “بنت الدهر” التي اشتكى منها المتنبي في إحدى قصائده، من شأنها أن تجعله يأتي بالعجائب، ومن يدري فربما تكون هي نفسها السبب في ادعاء المتنبي للنبوة، فما بالك بقصة تافهة، رُفِع عنها وعن صاحبها القلم، بطلها حمار يبيع – أو كان يحاول أن يبيع – الطماطم.


وبعيدا عن كون القصة حقيقية أم مجرد خرافة وهذيان محموم، يبدو أنها لا تخلو من بعض الواقعية، فالحمار هو ذلك البطل الساذج الذي يريد أن “يطمطم” العالم من منطلق معرفته بخبايا الطرقات والمنازل القابلة للطمطمة، باعتباره هو من اعتاد أن يحمل ثقل تلك الطماطم على ظهره أصلا، بينما الباعة يحملون فقط – زيادة على العِصيّ – في رؤوسهم نظريات عن جودة الطماطم التي بحوزتهم، وهي نظريات لا تأخذ بالحسبان أنه ليس كل الأحياء تستطيع أن تشتري الطماطم.


مؤخرا يُحكى أن ذلك الحمار قد مات من جراء الإرهاق، لأن صاحبه كان يحمل على ظهره كمية من الطماطم أكبر من المقدار الذي يطيقه، بل وأكبر حتى من المقدار الذي يبيعه، وكذلك لأنه كان ينهق أكثر من طاقته في بُعدِه “التَّحِيمَارِيتِي” البعيد ملايين السنوات الضوئية عن بُعد من يقال عنهم إنهم بشر، ولم يكن صوته مفهوما لأحد، لذلك لا تستغرب إن سمعت يوما عن “حبة الطماطم التي قصمت ظهر الحمار”.


وفي رواية أخرى، أن صاحبه كان يبرحه ضربا مع كل نهقة يغرد بها خارج سرب حاملي الطماطم، فليس مسموحا للحمير أن تفكر في مآرب أخرى، لا سيما التجارة، فتتجاوز بذلك التفكير في كمية التبن التي “قد” تحصل عليها بعد إنهاء مهمتها في نقل الطماطم، علما أنها كمية يتناثر ربعها على طول المسار من مخزن التبن إلى الإسطبل، إن كان هناك أصلا إسطبل يؤويها، (أو ما يسمونه قبر الحياة بلغة بني آدم).


مرة أخرى قد يعتقد البعض أن صاحب الحمار، هو مجرد مسؤول محنك، يستعرض عضلات سوطه على من هم دونه، أو يعتقد أنهم دونه، ولكن الأمر هنا لا علاقة له بالسياسة والسياسيين، بل بمن يعطي للأمور قدرا أكبر مما تستحق، بل وأكثر مما يتوجب عليه، ويدفع ثمن ذلك من وقته وجهده وصفاء ذهنه وسلامة جسده، فللأسف الشديد هو وذلك الحمار شخص واحد، لأنه يحاول القيام بمهام فوق طاقته وضد طبيعته، وفي نفس الوقت هو وصاحب الحمار شخص واحد أيضا، لأنه يعامل نفسه معاملة صاحب الحمار لحماره في القصة، ولا يسمع لزفرات روحه المتعبة، ولا لحاجات جسده الملحة، ولا يطبق مبدأ: لا ضرر ولا ضرار.


رُفِعَتِ “البَرْدَعَة”.. لكن بعد أن مات الحمار.



المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لا تضعوا كل الكرات الأرضية في سلة واحدة

توضيح بخصوص رأي الشيخ الشعراوي والكيالي حول عذاب القبر

سد يأجوج ومأجوج في القرآن وحقيقة الأرض المجوفة