ما أسرع ما ينسى الإنسان أنه في اختبار، فيتساءل مستغربا عن سبب هذا الظلم المنتشر في شتى بقاع العالم، ينسى أن هذا الظلم ما هو إلا تجل لوجود إرادة حرة عند كل إنسان، فلو اختار الجميع طريق الخير والعدل، لراودت العاقل الشكوك وخلص إلى أن الإنسان مسير في أفعاله كلها، لكن مشيئة الله قضت أن يمر البشر من هذا الاختبار، لذا فعندما تكون هناك إرادة حقيقية واختبار حقيقي فمن الطبيعي أن نرى الكثير من الفاشلين الذين اختاروا طريق الخسران والعياذ بالله، كما سنرى الناجحين أيضا.
وحتى يكون هذا الاختبار واجبا على الجميع كان لا بد أن يخلق الله سبحانه وتعالى الموت والحياة، ليصير عمل الإنسان حتميا، ما دام من حيث هو جسد وروح، محصورا بين ضروريات يطلبها جسده، إن لم يلبها مات، وبين كماليات تطلبها نفسه من الشهوات ورفاهية العيش، إن لم يلبها شقي وتعب نفسيا. قال الله سبحانه وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} [الملك : 1-2]
ولأن الإنسان خلق للاختبار فإن الله عز وجل وضع له ميزانا لمتطلباته، حتى يتحقق مبدأ لا إفراط ولا تفريط، كما جعل قدرته على العمل محدودة (بسبب: النوم، التعب، المرض، مشاغل الحياة...)، لتكون متناسبة مع ما يحتاج إليه من ضروريات وكماليات.
لكن إذا كانت قدرة الإنسان على العمل محدودة فإن رغبته في التملك غير محدودة، فماذا سيفعل هذا الإنسان ليحقق مآربه اللامحدودة؟!
إن هذا الإنسان عندما لا يقنع بما آتاه الله وأحل له، فإن طمعه في تحصيل المزيد من الكماليات والرفاهية، سيجعله كلما تقدم خطوة نحو الحياة سيدفع أخاه الإنسان في اتجاه الموت، طبعا بعد المرور بالفقر والظلم والتشرد والبطالة والحرمان، إذ كلما زاد الإسراف والتبذير، كثر بالمقابل من لا يجد حتى أبسط ضروريات العيش، ولعل أخطر ما في التبذير هو أن صاحبه غالبا ما يكون قد اكتسب ما يبذره بالوسائل غير المشروعة، وبظلم أخيه الإنسان، وإلا لما استرخص ما يضيعه ويبذره. وهذا الظلم الذي يمارسه الإنسان ضد أخيه الإنسان نوعان:
- استخدام القوة لسرقة ممتلكات غيره، أو لاستعباده والاستفادة من عمله في تحصيل مزيد من الغنى والترف.
- استخدام الخداع عن طريق التلاعب بقيم الأشياء والأعمال، ليحصل على الأشياء الباهظة بأشياء رخيصة، فنجد مثلا أن التافهين في المجتمع يحظون بأموال طائلة لقاء تفاهاتهم، بينما من يقدم خدمات جليلة للمجتمع يكون جزاؤه دراهم معدودة في أحسن الحالات، كما يدخل في استخدام الخداع كل من القمار والربا والغش والتزوير إلخ.
وبناء على ما سبق يمكن القول إن سبب ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، هو سعيه نحو الخلود في هذه الحياة الدنيا، لقلة إيمانه بشيء اسمه الآخرة، وعدم القناعة بالوسائل المشروعة في تحصيل الرزق والكسب، ونسيان أنه في اختبار من قبل عليم خبير.
اللهم إنا نعوذ بك من أن نَظلِم أو نُظلَم أو نَجهل أو يُجهل علينا، ونعوذ بك اللهم من أن نقترف على أنفسنا سوءا أو نجره إلى مسلم.
هذا والله أعلى وأعلم وأرحم.