ومن يجعل المعروف في غير أهله

مهلا يا صديقي، فالناس ليسوا متعودين على كل هذه الطيبة وكل هذا المدح الذي تنثره فوق رؤوسهم بسخاء، فأنت حين تفعل ذلك فإنما تجعلهم يتساءلون إن كنت تسخر منهم أم تمهد لاستغلالهم.

نعم كما سمعت، فالمبالغة في أي شيء ستأتيك بنتائج عكسية لم تكن تتوقعها، لعل أقلها هو إيقاعك بمواقف محرجة؛ ستكون فيها مدينا بإعطاء تفسير قد لا تعطى لك الفرصة أبدا لتقديمه، وإن أعطيت لك فقد يبدو تفسيرك بمثابة عذر أقبح من زلة، فإن كان عذرك هو طيبتك والعاطفة التي تحس بها تجاه الآخرين، ومراعاتك لظروفهم ومشاعرهم، فدعني أخبرك أن هذا هو عين المشكلة، ورأس الزلة، فليس كل البشر يحبون شفقتك أو اهتمامك لأمرهم، فمدحك لهم وذمك لهم بالنسبة لهم سيان، فلا تحشر قلبك فيما لا يعنيك.

يقول المثل العامي المغربي”ما دير خير ما يطرا باس”، وهو المثل الذي قد ينظر إليه الكثيرون على أنه دعوة مفتوحة على مصاريعها لمنع فعل الخير بين أفراد المجتمع، ولكن الأمثال لا تتولد، عادة، إلا في مواقف خاصة دعت إلى النطق بها، ولا يمكن أن نفهم أن كلمة “خير” في المثل السابق تعني مطلق الخير، بل لا شك أنها تعني الخير الذي يوضع في غير أهله، لأنه الحري بأن يورث الندامة ويجر الخيبة، كما قال الشاعر زهير بن أبي سلمى: وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِـهِ ***** يَكُـنْ حَمْـدُهُ ذَمـاً عَلَيْـهِ وَيَـنْـدَمِ.

أما إن كنت لا بد فاعلا المعروف في غير أهله، أو فيمن لست متأكدا من أهليتهم، فعلى الأقل لا تبذله إلا لمن يطلبه، وألا تزيد عن مقدار ما يُطلب منك، فـ”كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده” كما يقول المثل.

عبد اللطيف المجدوبي
عبد اللطيف المجدوبي