اعتزل ما يؤذيك

ليس كل من يحيطون بك يتخيرون كلماتهم وطريقة معاملتهم لك بعناية كما يتخيرون بضع حبات من الطماطم عند بائع الخضر خشية أن يغشهم، أو بالأحرى خشية أن يلازمهم شعور - حتى ولو كان وهميا - بأنهم قد خسروا في الصفقة، لذلك عود نفسك على ألا تتفاعل مع هذا النوع من البشر، وألا تبيعهم راحتك النفسية لأجل سواد عيونهم/قلوبهم.. والتفاعل معهم هو أن تتأثر بكلامهم وتسعى لسد شراهتم فتقول دائما "نعم" على حساب راحتك النفسية.

صدقا فهناك صنف من البشر يحرصون على ربح كل أنواع الصفقات إلا صفقة المعاملة الإنسانية الصادقة غير المبنية على الأنانية والمصالح الشخصية، والتي تقتضي الاحترام المتبادل والأخذ والعطاء والكرم والتضحية من جميع الأطراف كل حسب استطاعته.

فإذا ابتليت ببعض هؤلاء ممن يرتدون خوذة "قصديرية" ولا يتورعون عن "إقلاق راحتك"، فاسأل نفسك لماذا عليك أنت أن تكون الطرف الضحية في هذه المعادلة، فتتقبل أنانيتهم المفرطة ونفاقهم الاجتماعي؟! لماذا عليك أن تتقبل أشخاصا لو عاملتهم بواحد في الألف مما يعاملونك به، لألقوك على الأرض كما لو كانوا يحملونك فوق ظهورهم؟!

إن الغرض من هكذا كلام ليس هو الدعوة إلى أن تكون العلاقات الإنسانية متكافئة مائة بالمائة، أو أن تكون مبنية على مصالح مشتركة موزونة بالذرة والملمتر، فليس لهذا خلق الإنسان، ولن يستطيع العيش هكذا حتى لو أراد ذلك، ما دام جوهر الحياة قائما على الصبر والبذل والتضحية دون انتظار مقابل من الآخرين، ولكن عندما تزيد الأمور عن حدها وتصير حياتك ووقتك مرتعا للأنانيين الذين لا هم لهم إلا الأكل والشرب وقضاء مصالحهم الخاصة، وعندما تقفز إلى مفكرتك مواعيد لم تخترها، وزيارات متكررة لم ترتب لها مكانا ولا زمانا، وطلبات تهجم على جدول أعمالك إلى الحد الذي قد تدفع فيه مواعيد صلواتك لتتكدس مع بعضها البعض في آخر اليوم، فحينها يجب أن تقول لا.

عندما يشحب لونك وتتدهور حالتك الصحية، في سبيل إرضاء الآخرين فحينها يكون قد آن الأوان لتقول لا، فليس هناك أحد يستحق أن تحرق أعصابك لأجله، وقد صدق من قال "اعتزل ما يؤذيك".


عبد اللطيف المجدوبي
عبد اللطيف المجدوبي