سد يأجوج ومأجوج في القرآن وحقيقة الأرض المجوفة



عندما يأتينا الحديث عن ما يسمى “بالأرض المجوفة” من أشخاص ينتمون إلى الغرب فهذا أمر مستساغ إذا صنفناه في خانة “الخيال العلمي والأدبي”، فهي حتى وإن كانت نظريات تخالف كل الأدلة العلمية التي أثبتت كروية الأرض، إلا أن الطابع النفعي لها، والذي قامت عليه الحضارة الغربية حاضر فيها بقوة، فنجد كما هائلا من الأفلام وغيرها، تتحدث عن الأطباق الطائرة، والكائنات الفضائية والمخلوقات الغريبة. وقد ربح أصحابها من المنتجين والمخرجين والمؤلفين أموالا أكثر خيالية من تلك النظريات والقصص نفسها.

لكن عندما تأتينا أفكار عن “الأرض المجوفة” من بني جلدتنا فإن هذه مشكلة كبيرة، ليس لأن الفن والإعلام عندنا لم يرق إلى نظيره في الغرب؛ بل لأن أصحاب هذه النظريات قد يستندون في طروحاتهم على ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة والقرآن الكريم حول “الأراضين السبع”، هذا بالإضافة إلى الشمس التي تغرب في عين حمئة كما جاء في قصة ذي القرنين في سورة الكهف.

وينضاف إلى ما سبق قصة يأجوج ومأجوج الواردة في نفس السورة فقد جعلت بعض هؤلاء الباحثين، يركبون على إحدى العبارات القرآنية الواردة في قوله تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95))الكهف/94-95 حيث اعتبروا أن كلمة “ردما” تشير إلى الردم المكون من قطع الحديد المتراصة المصبوب عليها القطر المذاب، وذلك لسد النفق المفترض، والذي كان يؤدي إلى جوف الأرض، أي إلى المكان الذي كانت تخرج منه قبائل يأجوج ومأجوج للإفساد قبل بناء السد.

وحتى يكمل استدلالهم على هذه النظرية –المبنية على قصر النظر- ركِبوا أيضا على ما وجدوه في التراث الإسلامي من إشارات إلى حُفر تقع في أقصى المناطق الشمالية لأوربا، وسأكتفي هنا بما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته في حديثه عن الأقاليم السبعة الأرضية تمهيدا لحديثه عن العمران البشري، حيث ذكر وجود حفرة غريبة ينبعث منها الضوء والدخان بهذه المناطق. والضوء حسب هؤلاء هو ضوء شمس الأرض المجوفة (إذ أن كل واحدة من الأراضين السبع لها شمسها…).



ولكن أصحاب هذا الطرح ربما لم يشاهدوا الروبورتاج الذي عرضته قناة “روسيا اليوم” منذ بضع سنوات حول بعض هذه الحفر بمنطقة سيبيريا والتي ينبعث منها دخان، وتبدأ جوانبها بالاتساع عن طريق ذوبانها العجيب، مما جعل بعض العلماء يعتبر هذه الظاهرة بمثابة بداية تشكل لبحيرة جديدة.



وعندما عدت إلى قوله تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98))الكهف/97-98 لاحظت أن الآية الكريمة تشير إلى وجود منفذين اثنين كان يمكن ليأجوج ومأجوج أن ينفذوا منهما لمباشرة إفسادهم وقد تم تعطيلهما ببناء السد، والأول هو عن طريق الظهور على هذا الحاجز أي تسلقه وصعوده إلى حين بلوغ ظهره، والثاني وهو نقبه أي خرقه وثقبه. وهذان الأمران متلازمان ومتحققان معا في حال افترضنا أن السد عبارة عن ردم لنفق، فعدم قدرتهم على الصعود على ظهره تعني بالضرورة أنهم لم يتمكنوا من خرقه، وحتى ننزه القرآن الكريم عن هذا التكرار، سنجد أنفسنا لا محالة نثبت أن السد كان يقف بطريقة عمودية، أي عبارة عن بناء وجدار، لم يتمكنوا من تسلقه أو خرقه.

وهكذا يتبين أن سد يأجوج ومأجوج هو عبارة عن بناء عمودي يفصل الجبلين (السدين حسب التعبير القرآني)، وليس ردما لنفق يُستدل به على أن الأرض مجوفة وأن القرآن الكريم يخالف الحقائق العلمية.
عبد اللطيف المجدوبي
عبد اللطيف المجدوبي