لم يكن أمام ألبرت أينشتاين لينتصر لنظرياته العبقرية الرائدة التي منعتها نظرية الكم من أن تبسط معادلاتها على كل حيز في هذا الكون، إلا أن يبحث عن طريقة لعقد الصلح معها، وذلك من خلال الحلم بتوحيد القوى الثلاث (الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية والقوى النووية الضعيفة) المتربعة على عرش نظرية الكم مع قوة الجاذبية، بمعنى البحث عن معادلة شاملة تسمح بفهم العلاقة بين هذه القوى جميعا، وهو ما لم يتوصل إليه، فهل يا ترى حال تصور أينشتاين للجاذبية دون تحقيق هذا الحلم؟
قد يكون لأينشتاين تصوره الخاص للجاذبية، لكنه بطبيعة الحال لم يبتعد كثيرا عن أفكار نيوتن الذي تذكرنا بنظرياته كل تفاحة نراها ساقطة بشكل رأسي أو ثابتة، أو حتى مرمية في أي اتجاه، أو حتى نصف متعفنة تأخذ اتجاهها نحو أمعاء متشرد جائع، لم تسمنه ولم تغنه من جوع كل نظريات العالم. فهل يكون يا ترى اينشتاين ضحية تصور نيوتوني خاطئ أو غير دقيق للجاذبية؟
“كلما اتجهنا نحو القطبين يزداد وزننا”، نعم هذه هي العبارة التي كنا نسمعها ونحن نجلس على مقاعد الدراسة، وعندما نسأل عن السبب يقال لنا إن الأرض بيضاوية الشكل، لذلك فالقطب الشمالي والجنوبي أقرب إلى مركز الأرض مقارنة مع الأماكن التي تقع على طول خط الاستواء، أي أن قوة الجاذبية الأرضية تزداد كلما اقتربنا من مركز الأرض.
واليوم بعد أن كبرنا وبدأت بضع شعيرات من الشيب تغزو رؤوسنا، لعلها تجد مكانا لها بين سيل الأسئلة التي تنهمر فوقها بقوة فاقت سرعة سقوط تفاحة نيوتن، نجد سؤالا ملحا أبى إلا أن يطفو على سطح تفكيرنا عند خط العرض الأرضي الذي نقف عليه، ولم يكلف نفسه عناء الخضوع لقانون الماء الذي كنا نراه دائما يأخذ مستوى مسطحا في داخل مختبر الحياة المتواضع خاصتنا، أي في إناء “التصبين” الذي ألفناه وألفنا منذ أيام الجامعة، فرفض ذلك السيل من الأسئلة التوجه إلى أقرب نقطة من مركز الأرض بالنسبة لموقعنا في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ألا وهي القطب الشمالي.
قد يبدو الكلام السابق غريبا وغير قابل للهضم، ولكننا هضمنا مثله لسنوات طويلة، ولم نكلف أنفسنا عناء التساؤل – ولا نقول التكذيب – حول إذا كان القطر الاستوائي للأرض أكبر من قطرها القطبي بأزيد من 40 كلم، وبالتالي الفرق بين الشعاعين الاستوائي والقطبي هو20 كلم تقريبا، أفما كان من المفترض والمنطقي أن يبدأ تجمع المياه على الأرض انطلاقا من القطبين باعتبارهما أخفض مناطق الأرض مقارنة مع خط الاستواء، بمعنى أنه يجب ألا يكون هناك ماء عند خط الاستواء إلا إذا غمرت المياه كل الأماكن شماله وجنوبه بما فيها قطبا الأرض الشمالي والجنوبي، وأن يكون نظريا عمق أعمق نقطتين بحريتين على الأقل هو 20 كلم عند نفس القطبين، في حين أن أعمق نقطة بحرية معروفة في العالم واقعيا، هي خندق ماريانا في المحيط الهادي، والذي يبلغ عمقه حوالي 11 كلم، بل حتى طوله وعرضه صغيران جدا ولا يشكل مساحة شاسعة من الكرة الأرضية، وبخاصة كون موقعه بعيدا عن القطب الشمالي، وزيادة على هذا فإن هناك من يعتبر أن قاع المحيط المتجمد الشمالي أقرب إلى مركز الأرض من أعمق نقطة في خندق ماريانا.
إن السؤال السابق يمكن الهروب منه بمجرد وضع افتراض هو أن اليابس الموجود شمال وجنوب الكرة الأرضية هو عبارة عن مرتفعات فوق مستوى سطح البحر لذلك لا يغمرها الماء، وهو أمر يترتب عنه منطقيا أن تأثير الجاذبية على المياه يتجلى في جعلها تأخذ شكل غلاف مائي متساوي السُّمك (أي متساوي العمق)، بحيث أن النقط الموجودة على سطحه تبعد بنفس المسافة عن مركز الأرض، لكن في هذه الحالة من حقنا أن نتساءل ما الداعي لاعتبار الأرض مختلفة طول القطرين الاستوائي والقطبي ما دامت المياه جزءا منها، وهي تشكل شكلا أشبه بالكرة له قطر شبه ثابت؟ بل هناك سؤال أكثر أهمية وهو على أي أساس نحدد شكل الأرض وأبعادها، هل على أساس ارتفاع اليابس عن مستوى سطح البحر أم على مستوى سطح البحر نفسه؟
بناء على كون العلماء يحددون الفرق بين القطر القطبي والقطر الاستوائي في 40 كلم تقريبا، فإن هذا مؤشر على أنهم لم يحددوا شكل الأرض بناء على مستوى سطح البحر، لأننا وضعنا سابقا كحل للإشكال السابق افتراض أن سطح الغلاف المائي البحري يبعد بنفس المسافة عن مركز الأرض، ولو اعتمدناه كمعيار لكان قطر الأرض متساويا، ولكان شكلها كرويا تماما.
إذن بقي لنا أن شكل الأرض يتم تحديده بناء على مقياس ارتفاع اليابس عن مستوى سطح البحر، وهنا من المنطقي أن معظم نقط اليابس عند خط الاستواء يجب أن تكون نظريا مرتفعة عن مستوى سطح البحر ب 20 كلم، حتى يمكن القول إن الشعاع الاستوائي أكبر من الشعاع القطبي بحوالي 20 كلم، ولكن المفاجأة هي أنه أعلى قمة جبلية عن سطح البحر لا تتعدى 9 كلم (إفرست بسلاسل جبال الهمالايا) بل هي لا تقع عند خط الاستواء أصلا ( تقع قمة افرست عند خط عرض °28 شمالا)، وحتى لو افترضنا أنها تقع عند خط الاستواء وارتفاعها 20 كلم فكم من النقط بهذا العلو نحتاج إليها حتى نعتبر أن خط الاستواء أبعد الدوائر العرضية عن مركز الأرض ب 20 كلم، وبالتالي كون القطر الاستوائي أطول من القطر القطبي بمقدار 40 كلم، رغم أن خط الاستواء يمر بمسافات مهمة على سطح البحر.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل هناك من اعتبر أن افرست ذي علو 8848 مترا ليس أعلى جبل في العالم، بل هو جبل شيمبورازو في الإكوادور ذي علو 6268 مترا ، وذلك باعتبار قمته أبعد قمة عن مركز الأرض، وهنا نتساءل: ألا يعد هذا تناقضا مع استنتاجاتنا السابقة؟
ألا يقاس علو كل جبل بناء على ارتفاع قمته عن مستوى سطح البحر، وبالتالي إذا اعتبرنا مستوى سطح البحر هو القاعدة الحقيقية لكل جبل (وليس تلك الملاحظة عند أسفل السفحين) فقاعدة جبل افرست وقاعدة جبل شيمبورازو تبعدان بنفس المسافة عن مركز الأرض، وبالتالي فإفرست هو أعلى جبل بالنسبة للبعد عن مركز الأرض وبالنسبة للارتفاع عن مستوى سطح البحر أيضا.
صدقا، ليست المسألة انتصارا لجبل ضد جبل، بل المسألة أعمق بكثير، وهي أنه كيف يمكن لقمة جبل شيمبورازو أن تكون أبعد عن مركز الأرض علما أن قمة افرست أكثر منها ارتفاعا عن مستوى سطح البحر؟ هذا يحدث فقط إذا كان مستوى سطح البحر الذي قيس منه علو افرست ومستوى سطح البحر الذي قيس منه علو شيمبورازو لا يبعدان بنفس المسافة عن مركز الأرض، وهذا يعني أن مياه البحار والمحيطات تأخذ نفس شكل الأرض، حيث تغلفها بنفس السُّمك (العمق)، وبالتالي فتسطح مستوى البحار يتبع سطح الأرض البيضاوي لا مركز الأرض الكروي، أي أن السفن التي تطفو على مختلف المناطق البحرية في العالم، هي لا تبعد بالضرورة بنفس المسافة عن مركز الأرض.
وهكذا إذا كنا ككرويين نفعل ما في وسعنا لنقنع بعض المسطحين بتكور الماء على سطح الأرض بسبب الجاذبية، فعلينا الآن أن نقنعهم أن ذلك التكور لا يكون مطلقا، وأن نقاط سطح البحر المتكور لا تبعد بنفس المسافة عن مركز الأرض، وهذا سيزيد الأمر تعقيدا أثناء محاولة شرحنا لهم طريقة عمل الجاذبية، خصوصا إذا كان فهمنا لها مبنيا على حادث سقوط تفاحة على رأس عالم راحل في غابر الأزمان.
وحتى تتضح النتيجة السابقة التي خلصنا إليها، سنعطي مثالين بسيطين على ذلك وهما:
المثال الأول: لو قمنا بصب مياه كثيرة عند نقطة تنتمي إلى المحيط الأطلنتي عند خط الاستواء مثلا، فمهما كان بعد تلك النقطة عن مركز الارض، فإن المياه ستنتشر على طول البحار والمحيطات بنفس السُّمك (العمق)، أي أنه حتى لو كان القطب الشمالي والقطب الجنوبي أقرب إلى مركز الأرض من خط الاستواء، فلن تتجمع المياه في البحار القريبة منهما وتغطيهما، بل ستتوزع بنفس السُّمك على كل بحار العالم المتصلة فيما بينها.
المثال الثاني: وهو أنه لو قمنا بصب مياه كثيرة عند قطب الأرض الشمالي أو الجنوبي (يمكن اعتبار ذوبان ثلوج القطب الجنوبي كمثال واقعي)، فلن تتجمع تلك المياه عندهما باعتبارهما الأقرب إلى مركز الأرض بل ستتوزع على امتداد البحار في العالم بنفس السُّمك، أي أن المياه التي من المفترض أن تبحث عن أقرب مسافة لها إلى مركز الأرض وتتجمع بشكل رأسي في القطبين، ستذهب هذه المرة في اتجاه خط الاستواء رغم أنه أبعد النقط نظريا وواقعيا عن مركز الأرض، أي أننا أمام جاذبية تسمح بانتقال الأجسام المجذوبة بعيدا عن مركز الأرض وليس قريبا منه، ولو قُدّر للراحل إسحاق نيوتن أن يكون تحت شجرة تفاح بالقطب الجنوبي فلن تسقط التفاحة فوق رأسه لأنه ستكون المياه الذائبة جرفته في اتجاه خط الاستواء لتلحق به التفاحة طافية على الماء.
كيف إذن نفسر كون الجاذبية الأرضية في بعض الحالات لا تحترم بروتوكولاتِها المعهودة التي تجعل الأجسام تتحرك باتجاه مركز الأرض، فتصبح المسافة الأبعد عن مركز الأرض هي الأقرب إليه حقيقة، ولا تحترم الاتجاه الرأسي لسقوط الأشياء أي أن السقوط الحر للأجسام نحو مركز الأرض يكون رأسيا باعتباره الأقرب في بعض الحالات، لكن كيف يصبح الخط المنحني هو الأقرب في حالات أخرى؟
إن تكور الماء حول سطح الأرض يثبت وجود قوة الجاذبية التي من خلالها يجذب مركز الأرض الأشياء إليه في اتجاه رأسي، لكن تكوره بشكل يحافظ على بيضاوية الأرض يثبت أن طريقة عمل هذه القوة مختلفة نسبيا عما هو شائع في الأوساط العلمية لذلك يمكن أن نتقدم بتفسير بسيط – نراه جديرا بالتأمل – لهذه الإشكالات التي طرحناها في هذا المقال وهي كالآتي:
إن شكل الأرض البيضاوي – البيضاوي على وجه التقريب – لا يؤثر على آلية اشتغال الجاذبية التي تجعل الأجسام تتجه نحو مركز الأرض، حسب ارتفاعها عنه، لكن الاتجاه لا يكون دائما رأسيا، بل هو الاتجاه الأقرب إلى مركز الأرض حتى ولو كان منحنيا، أي أن الجاذبية تتصرف كما لو كانت الأرض كروية تماما، أي أن القطر الاستوائي والقطر القطبي للأرض متقايسان بالنسبة لقوة الجاذبية، أو لا يوجد هناك فرق كبير بين طوليهما، أي أنه فيزيائيا أقطار الأرض هي نفسها أو على الأقل جد متقاربة، بسبب ما نعتقد أنه يشبه “تقلص الأطوال في النظرية النسبية” لكن الاختلاف هو أن تقلص الأطوال هنا ليس في اتجاه الحركة حسب أينشتاين، بل نقصد به تقلص أبعاد الأرض بالنسبة لقوة الجاذبية، فيصير فيزيائيا مستوى سطح البحر الذي قيس بالنسبة إليه علو قمة إفرست، ومستوى سطح البحر الذي قيس بالنسبة إليه علو قمة شيمبورازو يبعدان بنفس المسافة عن مركز الأرض.
على أن تقلص الأطوال الذي نتحدث عنه ليس تقلصا فعليا للمسافة لأن سرعة دوران الأرض لا تقارن مع سرعة الضوء أو السرعات التي تقترب من سرعة الضوء، ولكن يبدو أن حركة الأطوال (المسافات) التي تفصل كل جسم في سطح الأرض عن مركزها، تؤثر بشكل كبير في تصرف قوة الجاذبية، وتجعلها تتقلص فتصبح أقصر مما هي عليه، وقد تبطئ حركتها فتصبح فيزيائيا أقرب ما تكون إلى طولها الأصلي (أي وهي ساكنة نسبيا). ثم إنه زيادة على حركة الأرض حول محورها بسرعة تختلف حسب خطوط العرض، فإن هناك حركة باطن الأرض والاهتزازات وطبيعة تكوين طبقات الأرض، وكل هذه العوامل مجتمعة هي التي تحدد النتيجة النهائية لنسبة تقلص المسار الذي يفصل كل نقطة من سطح الأرض عن مركز هذه الأخيرة.
أما واقعيا فإن ما يثبت هذا الطرح هو كون الأجسام الساقطة سقوطا حرا لا تأخذ اتجاها رأسيا تماما بل يكون اتجاه سقوطها مائلا بزاوية معينة (وهذا لا علاقة له بقوة كوريولويس أو حركة الرياح)، مما يدل على أن الاتجاه الرأسي ليس هو أقصر طريق دائما نحو مركز الأرض، لكن الفرق بين المسافتين الفاصلتين للجسم عن مركز الأرض ضئيل جدا، لذلك تكون زاوية انحراف اتجاه السقوط عن الاتجاه الرأسي صغيرة أيضا، ويظهر هذا واضحا بالنسبة للأجسام الواقفة على الأرض إذ يكون توازنها بشكل رأسي في اتجاه مركز الأرض، فيمنعها الاحتكاك بسطح الأرض من أن يجذبها مركز الأرض إلى أقرب مسافة إليه.
وقد شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون خط عرض مكة المكرمة (الموقع العرضي يتحكم في سرعة الدوران حول محور الأرض) وكذا حركة الطبقات الأرضية تحتها، وباطن الأرض تحتها، أسبابا أدت إلى أن تكون منطقة مكة شبه مستوية فيزيائيا، فتبعد نقطها بنفس المسافة تقريبا عن مركز الأرض، فتسقط الأجسام سقوطا حرا بشكل رأسي في مكة ولا تنحرف، لأن كل جسم فوقها مساره الأقرب إلى مركز الأرض هو الاتجاه الرأسي، ولا نجزم أن هذه الميزة حكر عليها، فقد تكون هناك الكثير من الأماكن على سطح الأرض تتحقق فيها هذه الخاصية، وبخاصة مع كون المياه تغمر حوالي 71% من سطح الأرض مقارنة باليابس، ويصعب التحقق من ذلك في كل نقطة من العالم. (ملاحظة: السقوط الحر للأجسام في مكة وفق اتجاه رأسي – وليس الطرح الذي نقترحه لتفسير هذا الاتجاه – قرأنا عنه في أحد المواقع المتخصصة منذ أزيد من 10 سنوات ولا نتذكره، لذلك هذه المسألة لا نجزم بصحتها، لكن نظريا هذا أمر ممكن الحدوث في مناطق مختلفة من العالم وفق طرحنا).
وعلى عكس الأشخاص الواقفين على سطح الأرض تسمح انسيابية الماء من تحركه في الاتجاه الأقرب إلى مركز الأرض حتى ولو كان ظاهريا يبدو لنا أنه يتحرك إلى مواقع أبعد عن مركز الأرض، والسبب كما قدمناه هو تقلص أبعاد الكرة الأرضية الذي يجعل الماء يبحث عن أقرب النقط التي تفصله عن مركز الأرض، فيتحرك من نقطة أبعد فيزيائيا إلى نقطة أقرب فيزيائيا وهكذا دواليك إلى أن يستقر في نقطة لا يحيط بها أي موقع آخر أقرب إلى مركز الأرض، أو يحيط بها موقع أقرب إليه، ولكن يشغله جسم آخر قد يكون مياها في الغالب، فيحصل التدافع بين المياه والتراكم وتتشكل البحار والمحيطات ولا يبغي بعضها على بعض رغم اختلاف بُعد سطوحها عن مركز الأرض، وقد تكون الجاذبية كما نتصورها هي ذلك البرزخ الذي أشار إليه الله سبحانه وتعالى بقوله: [ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20) الآيتان 19 و 20 من سورة الرحمن].
في هذا المقال حاولنا أن نستنتج من خلال ما يقدمه لنا العلماء من معلومات عن الأرض والجاذبية الأرضية آلية عمل الجاذبية، ووضحنا أن هناك إشكالات لا تستطيع النظريات الحالية حلها، ومن بينها اختلاف بُعد مستويات سطوح البحار عن مركز الأرض، ومع ذلك لا تتدفق المياه من المستوى الأبعد إلى المستوى الأقرب إلى مركز الأرض، وقد بسطنا تصورنا المتواضع لحل ذلك الإشكال، والذي مفاده أن هناك عدة عوامل مثل دوران الأرض واختلاف طبيعة طبقاتها، واهتزازاتها، وحركة باطنها، تؤدي في النهاية إلى تقلص أو تمدد المسافات التي تفصل مركز الأرض عن سطحها، حسب مقدار الحركة والسكون، بشكل يشبه تمدد وتقلص الأوتار، وباعتبار الوتر عند تمديده يأخذ اتجاها مستقيما، فإن الأجسام التي تتحرك على سطح الأرض بشكل انسيابي عندما تنتقل من موقع إلى آخر بسبب الجاذبية فإنها تنتقل في الحقيقة من الموقع الذي وتره الفاصل عن مركز الأرض أطول، إلى الموقع المجاور الذي وتره الفاصل عن مركز الأرض أقصر، وهكذا دواليك، فيؤدي وجود مواقع ذات أوتار قصيرة متجاورة إلى انتقال الأجسام من موقع إلى موقع آخر فيظهر مسار حركتها يتبع انحناء الأرض، حتى ولو كانت الحركة ظاهريا من الموقع الأقرب إلى مركز الأرض إلى الموقع الأبعد عنه (من القطب الشمالي مثلا إلى خط الاستواء)، ويبدو هذا واضحا مثلا بالنسبة لنهر النيل الأبيض فمياهه التي تنبع من بحيرة فيكتوريا في خط الاستواء (يرتفع سطحها عن مستوى سطح البحر حوالي 1135 متر) وتصب بشكل دائم في البحر الأبيض المتوسط، تتوزع – أي مياه النيل الأبيض – من جديد على بحار العالم بشكل متكافئ، فتعود إلى المناطق البحرية عند خط الاستواء علما أنه أبعد عن مركز الأرض من مصب نهر النيل في البحر الأبيض المتوسط.
فبناء على ما تقدم يمكن أن نصطلح على هذه النظرية بـ “نظرية أوتار الجاذبية” والتي لا زالت في بداية صياغتها، وفي حاجة إلى تطعيمها بمعادلات رياضية ليتبين صدقها من خطئها، وقد تكون بوابة يتم عبرها تحقيق حلم اينشتاين في توحيد قوى الكم الثلاث وقوة الجاذبية، وقد تكون هناك عدة أنواع من الجاذبية داخل عالم النسبية لم تكتشف بعد، وربما لن يتحقق حلم أينشتاين قبل اكتشافها أولا. والله أعلم.
لقراءة المقال على موقع هسبريس انقر هنا