دائما ما يُرجع البشر تأثير الأشياء إلى ذواتها، فيعتقدون مثلا أن انجذاب ذرات الحديد إلى المغناطيس لقوة في هذا الأخير، في حين أن تلك الذرات خاضعة لأمر الله عز وجل في حركتها، ولو شاء لجعلها تنجذب إلى غير المغناطيس، وكيف يعجزه ذلك سبحانه وهو الذي يخرج الشيء من نقيضه، فيخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي. وبسبب هذه الذهنية السائدة نجد الكثير من الناس يعتقدون أن السبب في الخوف الذي سيعتري كل من اطلع على أصحاب الكهف، هو من جراء نمو أشعارهم وأظافرهم، وربما تمزق ثيابهم... أي أنهم يجعلون دائما مصدر الخوف هو الصور البشعة، لما ألفوه من قوانين مادية في الواقع. يقول الله سبحانه وتعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف : 18]
لكن عندما نتأمل الآية الموالية، نجد أن أصحاب الكهف عندما تساءلوا فيما بينهم، فقال قائل منهم: "كم لبثتم؟!" كان جواب البقية "يوما أو بعض يوم"، أي أنهم لو تغيرت أشكالهم بنمو الأشعار والأظافر وهرم الأجساد وتمزق الثياب، لكان من البديهي أن يصرحوا بأنهم ناموا مدة طويلة كافية لحصول ذلك النمو، ولتساءلوا أيضا عن سبب عدم موتهم من جراء الجوع والعطش طيلة تلك المدة الطويلة. لكن نقاشهم فيما بينهم لم يسلك ذلك المسار، لأنه لم يتغير في أشكالهم ما يدعوهم إلى الحيرة والشك. قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف : 19]
وهكذا يتضح أن الخوف من أصحاب الكهف، لم يكن بسبب أشكالهم البشعة، وإنما هو شعور زرعه الله في قلب كل من كان يقترب منهم فيراهم.. والله تعالى أعلى وأعلم.