بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد: فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها، هذه الذكرى العظيمة، ذكرى مولد خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. هذا النبي المجتبى والمصطفى الذي أرسله الله عز وجل رحمة للعالمين، فما أحوجنا وما أحوج الأمة إلى أن نستلهم الدروس من هذه الذكرى العطرة، دروس الرحمة والمحبة والإخاء والمودة، وكيف لا وكل ما أصاب أمتنا من الشتات وتسلط الأعداء وتنكر من درجوا على النفاق، وخذلان بني الجلدة، ناتج عن التفريط في سيرة نبي آخر الزمان صلى الله عليه وسلم.
لذلك رأيت أنه من الواجب تذكير نفسي وإخوتي، بأن عظمة الرسول ﷺ من عظمة الرسالة، وعظمة الرسالة من عظمة المرسل وهو الله سبحانه وتعالى، الذي سمى نفسه وذاته العلية بالرحمن الرحيم، وأرسل رسوله صلى الله عليه وسلم برسالة الرحمة، فقال عز من قائل "{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107]، فلا دين لمن لا يرحم.
ولعل من رحمة الله بخلقه أنه لم يكل حسابهم لغيره سبحانه وتعالى، وجعل الجنة والنار بيده، والمغفرة والعقاب والشفاعة بإذنه تعالى، حتى نرجوه هو وحده لا شريك له، ولا نشغل أنفسنا بخلقه.
لكن للأسف في زماننا ضيع المسلمون إلا من رحم الله، حقيقة وجوهر الدين الإسلامي، ألا وهو الرحمة، ذاك أن من ينتسب إلى هذا الدين الحق يفترض به أن يجد ما يبحث عنه من السعادة والسكينة والأمان والرفاهية والقوة والعزة والأمل، وهذه كلها معان تندرج في مفهوم الرحمة، وهي تعني بذل هذه المطالب للإنسان.
لذلك يمكن اعتبار الرحمة معيارا لقياس مدى إيماننا، واتباعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولرسالة الإسلام، فبمقدار الرحمة التي نوفرها لأنفسنا وللعالمين، نكون قد أثبتنا صدق إسلامنا ومحبتنا لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم.
وحتى نقيس مقدار الرحمة، لا بد أن نسترشد بقول الرحمن الرحيم في حق المبعوث رحمة للعالمين {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران : 159]، ومن هذه الآية الكريمة يتضح أن الرحمة مقترنة باللين ورقة القلب والعفو والدعاء بالمغفرة للغير، والتشاور، فأين نحن كمسلمين اليوم من هذه الصفات؟!
للأسف فنحن متفرقون يغلظ بعضنا لبعض القول، ويشكو بعضنا بعضا، ونتساب فيما بيننا، ويلعن بعضنا بعضا، وندعوا على أنفسنا، ويغيب عنا التشاور والتناصح والحوار.
ولا يقتصر ما سبق على عامة المسلمين فقط، بل تعدى ذلك إلى عدد كبير ممن يفترض فيهم أنهم علماء يمثلون الأمة، ونعول عليهم في رأب صدعها، ولم شتاتها، فنجدهم يكفر بعضهم بعضا، ويتهم بعضهم بعضا بالخيانة والعمالة تارة، وبالجهل والشرك والبدعة تارة أخرى.
فماذا قدمنا للأمة غير القتل والسب والشتم واللعن والتكفير والكراهية والتخوين والفضح والغيبة والنميمة والبهتان؟!
إن من يجل رسالة الله في قلبه، لا يستعجل على خلقه، فالخير لا زال في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل ذلك السكير الذي تحتقره اليوم وتتمنى لو يعجل الله عز وجل بخسف الأرض من تحت قدميه، لربما هو غدا ممن يحملون رسالة الله إلى العالمين، ولعل تلك العاهرة التي تنعتها اليوم بالساقطة لتشهر بها، تتوب توبة نصوحا فتدخل الجنة قبلي وقبلك، هذا إن لم تكن قد دخلتها أصلا بخفي معاملة لها مع ربها لم نعلمه نحن.
ولعل ذلك الغني الذي تحسده، وتعتقد أنه يعيش من الحرام هو أشرف منا جميعا، وأكثرنا مساعدة للفقراء والمحتاجين.
ولعل ذلك العالم الذي تنعته بالقبوري أو الصوفي( أتحدث عن علماء تزكية النفوس)، هو عند الله من خير خلقه الذين حقن بهم دماء المسلمين، وزرع بهم بذور محبته في الناس.
ولعل ذلك العالم الذي تنعته بكونه من علماء السلطان، هو عند الله من الشفعاء الذين يتوسطون لقضاء مصالح الناس، ورد المظالم إلى أهلها، ونصح ولاة الأمر، أو لعله من جند الله الذين لولاهم لهدمت صوامع وبيع وصلوات يذكر فيها اسم الله.
ولعل ذلك العالم الذي تسبه وتطعن في صدق إيمانه، ممن أكره على باطل وقلبه مطمئن بالإيمان.
فالإسلام يا حبيبي، هو دين المحبة والمودة والرحمة وإحسان الظن كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو دين القتل والكراهية والتكفير والتعسير، لأن الله الذي يعطينا الجنة في الآخرة، هو أكرم من أن يعطينا جحيما في الدنيا، أو يأمرنا أن نحول حياة غيرنا إلى جحيم.
هذا والله أعلى وأعلم وأرحم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.