لو قِسنا حركة الإنسان في هذا الكون، لوجدنا أنها لا تمثل شيئا أمام حركة بقية المخلوقات الأخرى الحية والجامدة (حيوانات، كائنات مجهرية، أجرام، جزيئات، ذرات...)، ولو قسنا حركته التي يكون له فيها حرية الإرادة والاختيار والتدبير الظاهري، لوجدنا أنها لا تمثل شيئا أمام فعل الله عز وجل في هذا الإنسان، ومع صغر حجم هذا الهامش من الحرية الذي أعطي للإنسان، إلا أنه - بغض النظر عن الإنجازات العظيمة التي حققها- قد تسببت تلك الحرية في امتلاء الدنيا ظلما وإفسادا في الأرض، فماذا لو أوكل الله سبحانه وتعالى كل شيء لاختيار الإنسان؟! أكيد أن هذا الكون سيتدمر ويسرع إليه الفناء.
وبالمقابل ينسى هذا الإنسان نِعَم الله عز وجل عليه، ويطالب بعدم تدخل الخالق في حياته، وهو لا يدرك أنه لولا تدخله جل وعلا في ما لا حصر له من شؤون خلقه لما كان لهم وجود أصلا. قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهواءَهُم لَفَسَدَتِ السَّمٰوٰتُ وَالأَرضُ وَمَن فيهِنَّ بَل أَتَينٰهُم بِذِكرِهِم فَهُم عَن ذِكرِهِم مُعرِضونَ} المؤمنون/71 ويقول أيضا عز من قائل سبحانه: {وَإِن تَعُدّوا نِعمَةَ اللَّهِ لا تُحصوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفورٌ رَحيمٌ} النحل/ 18
إن إقرار العبد بفضل الله عز وجل عليه، يورث حسن الظن به، والرضا به خالقا ومدبرا، فلا يوجد إنسان عاقل، لا يعتبر أن أسمى معاني الحرية التي عاشها في حياته هي تلك اللحظات التي كان فيها ممتثلا لأمر ربه، محاولا التناغم مع ذرات هذا الكون التي تُسبح الله دون ملل أو انقطاع أو اعتراض.