إلى أين تأخذنا مواقع التواصل الاجتماعي؟!

هي حقيقة مهمة تخص التواصل الاجتماعي عبر هذا العالم الافتراضي، لكن الكثيرين لا ينتبهون لها، وهي أن الإنسان قبل ظهور وتطور وسائل الاتصال والمواصلات، كان يتعامل مع أشياء وأحداث واقعية بطيئة الحركة، فإذا كانت لشخص حاجة عند أخيه فإنه كان يقصده، فيقف على حقيقة حاله وظروفه، حيث قد يجده مسافرا، أو مريضا أو منهمكا في عمل، أو عنده زوار يسألونه نفس طلبات ذلك الشخص الذي قصده، فيسهل عليه تقبل عذره لأنه اطلع بنفسه على حقيقة حاله. وقد يكون في ذهابه إلى الآخرين قصد سؤالهم حاجة من الحوائج، من المشقة ما يثنيه عن ذلك، لأن اعتماده على نفسه في تلك الحالة أيسر له.

أما مع وسائل التواصل الاجتماعي فلم يعد من السهل معرفة حقيقة وظروف الأشخاص الذين نتواصل معهم، وأصبح الكثيرون يسقطون القوانين التي تحكم عالم الواقع الافتراضي على عالم الواقع، فبعد أن كان الإنسان يتواصل مع عدد محدود نسبيا من المعارف والأصدقاء، أصبح عليه أن يتواصل مع عدد قد يصل إلى 5000 صديق على الفيس بوك كمثال، فهل من المعقول أن يرد الإنسان على كافة الرسائل التي تصله عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟!

أعتقد أن الأشخاص الذين سيكون جوابهم عن السؤال السابق هو: "قطعا لا"، يمكن تقسيمهم إلى أربعة أصناف وهي:

- صنف لا يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مطلقا رغم معرفته كيفية إنشاء حساب فيها، حتى يبقى مرتاح البال، ومركزا على أهدافه الواقعية.

- صنف لا يقبل طلبات الصداقة والتعارف والدردشة إلا مع من يعرفه شخصيا على أرض الواقع.

- صنف يقبل طلبات الصداقة لاعتقاده المسبق أن قبولها لا يعني بالضرورة الرغبة في التعارف والدردشة، لكنه يضطر في النهاية إلى إلغائها أو إغلاق حسابه الافتراضي لأنه يصطدم بكون أغلبية من على قائمته لا يفهمون معنى "قبول طلب صداقة" بنفس الطريقة التي يفهمها هو.

- صنف يحاول أن يقلص مدة استخدامه  لمواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن يتأكد أنه من الصعب إقناع أغلبية رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن كون حسابه متصلا بالأنترنت، لا يعني بالضرورة أنه يجلس أمام حاسوبه أو يمسك بهاتفه، أو أنه مستعد للتواصل والدردشة.

على أنه ليس عيبا أن يحاول الإنسان التعرف على الآخرين أو إرسال الرسائل لهم، لكن العيب هو عندما لا يتم الرد على رسائه، خصوصا إذا تم الاطلاع عليها فينجرف به الغضب إلى السب والقذف، ظنا منه أن عدم الرد كان تكبرا أو احتقارا وتبخيسا من شأنه، وهو بسلوكه الصبياني ذاك إنما يريحك من عذاب الضمير الذي كان يلازمك عندما لم ترد على رسائله لعذر من الأعذار. 

ورغم أن مواقع التواصل الاجتماعي يتم تطويرها بشكل مستمر لتحافظ على خصوصية مستخدميها، وتحقق رغباتهم وفق تصوراتهم للتواصل، إلا أن هذا الأمر لا يكفي لكي تستمر هذه المواقع مستقبلا، بنفس حجم الإقبال عليها حاليا، إذ رغم أهميتها إلا أنها قد أصبحت سلاحا ذا حدين، لهذا إذا لم نحسن استخدامها ونغير من تصوراتنا لمفهوم التواصل الاجتماعي، فسوف يأتي الوقت الذي نفر فيه من هذه الوسائل والتقنيات الحديثة فرارنا من الأسد، وسينعكس هذا الأمر سلبا حتى على الشركات التي تستثمر أموالها في التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن تكون هذه الوسائل قد أدخلتنا في صراعات وعداوات افتراضية ستمتد جذورها وفروعها في واقعنا المليء أصلا بالصراعات والفرقة.

عبد اللطيف المجدوبي
عبد اللطيف المجدوبي