ذكريات تحترق

جمع كل ما كتبه خلال سنوات، في كومة واحدة، وصب عليها قليلا من البنزين، بعد أن صب عليها جام غضبه، ورغم أن هذا الأخير كان لوحده كافيا ليجعلها تحترق، إلا أنه أتبع قطرات البنزين تلك بعود ثقاب قديم، بعد أن حكه بحجر خشن وصلب صلابة قلبه حين إقدامه على حرق ما خطته أنامله..

لم يكن ما كتبه ذا أهمية، أو بالأحرى لم يعد ذا أهمية، أو بعبارة أخرى فإنه لم يعد يهتم فالأمران بالنسبة له سيان، إلى حد أنه لم يكن لديه وقت ليفكر هل ذلك مهم أم لا.. ثم ألا يقال إن آخر الدواء الكي؟! وما المانع من أن يكون الكي بجرعة بنزين؟!

ورغم أن كل شيء صار أمامه رمادا، إلا أنه لم يكن قد تخلص من كل ماضيه وذكرياته تماما، ولا أدري كيف فاته أن يقذف بنفسه في ذلك اللهب، ليحرق أيضا النسخ الاحتياطية في ذاكرته.. هل كان يخاف أن تحترق داخله من سكنت قلبه، حتى ولو كانت طيفا، أم كان يريد أن يبقى حيا ليتأكد أنه أحرق كل قصائده، أو على الأقل الجزء المؤلم منها، إلى حين أن يتكفل “الزهايمر” الذي يصيب الكثير من العجزة بالباقي…

كان الدخان يتصاعد من الحروف المحترقة، كأنها لم تكتب يوما؛ بينما هو يبتسم ابتسامة عريضة في انتشاء تام، إلى درجة أن من رآه كان يعتقد أنه يحرق كومة من التبغ.

عبد اللطيف المجدوبي
عبد اللطيف المجدوبي